رسائل مختلفة

لكن . . لا زلت أملكُ قلباً ينبض


تسعة واربعون عاماً قضيتها على ظهر هذه الحياة . . ليس لي فيها أي معلمٍ من المعالم سوى رحمة الله التي بها حُفظت في بطن أمي ، وبها خرجت إلى هذه الدنيا ، وبها انتقلت من طور الطفولة إلى طور الشباب ، ثم ها أنا الآن على مشارف طور الشيخوخة و لا محالة من لقاء الله ، ولعله قد آن الأوان لكي أسأل نفسي :

ما العمل الذي سألقى به ربي ؛ فينجيني يوم يفزع الأنبياء ، وتُصعق الملائكة ؟!

ما العمل الذي قدمته في هذ الحياة واعتمد عليه يوم يفر المرء من أخيه ؟!

من خلال سردٍ سريع لأيام حياتي الخالية ، لن أجد من الأعمال ما يؤهلني ، إلا الإلحاح على الله في الدعاء بأن يُفنيني فلا يَبعثني تارةً أخرى ؛ حتى لا يُؤاخذني بما كان من فرط الذنوب والآثام !!

إلا أن الأمراً مقضياً قد سبق من الله ببعث الخلائق للحساب ، فلا مفرّ منه ولا عتاب ، ولم يبق أمامي فيما بقي من أيام حياتي ، أو عند دخول قبري ، وعند نصب الموازين لحسابي ، إلا رجاء رحمة الله ، مراتٍ أخرى ومرات . فأنا أعرفها جيداً . . فهي هذه التي لم يحرمني الله بها رزقاً رغم انغماسي في المعاصي والشهوات ، وهي هذه التي ستر الله بها عليَّ يوم أن كنت أبالغُ في اقتراف الزلات ، وهي هذه التي أنجاني الله بها من كيد الماكرين والأوغاد إنّ أيَّ معنىً لحياتي يفتقد مضمونه وجوهره ؛ إذا ما افتقدت معنى هذه الرحمة ، وإنًّ يوماً أقضيه دون ما استشعارٍ لهذه الرحمة ؛ فليس من عمري ولا أعرفه ، وإنما أعرف فقط المعنى الحقيقي للضعف والذِّلة والمهانة ، فبالبعد عن هذه الرحمة أوشك على الهلاك ، وبالبعد عن هذه الرحمة أصبح فريسةً لكل العباد ، وبالبعد عن هذه الرحمة أُسلب معنى الحياة ، إلا أنني برغم ذلك ، لا آمن على نفسي أن أُسلب هذه الرحمة لفرط زللي ، و لإسرافي في أمري فهذه الرحمة ، قد جعلها الله قريبةً من المحسنين - ولست منهم - فأنّى لي أن أطمع فيها ، ولست من أهلها ؟!

أم كيف لي أن أتجرأ على الله بسؤال نصرته ، وقد نكصت عن نصرة دينه ؟

إنّ كافة الأسباب قد سلبتها من نفسي بنفسي ، ولكن يبقى الأمر من الله بعدم القنوط من رحمته ، هو عزائي الوحيد فيما تبقى لي من أيام عمري ، فبأمرك يا رب لن أقنط من رحمتك على الرغم من معصيتي !!

وبأمرك يا رب سأظل واقفاً بابك وإن طردتني لسوء فعلي !!

فأنت الذي علمتني استشعار معنى هذه الرحمة ، وأنت الذي جعلت مستقرها في قلبي ، فجُد عليَّ بعفوك ومغفرتك ، وأصلح لي ما بقي من عمري ، واغفر لي يا مولاي ما كان من ذنبي ، فبرغم غفلتي ومعصيتي . . .

إلا أنني لا زلت أملك قلباً ويوحدك ؛ فلا تعذبني . .