الاثنين، 25 نوفمبر 2013

من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه

قد استدل الشارح رحمه الله تعالى على ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم: {من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه }، وهذا الحديث المشهور رواه الترمذي ، وهو حديث صحيح بشواهده كما ذكر الشيخ؛ حتى قيل: إن هذا الحديث من جوامع الكلم، وهو كذلك؛ لأن الإنسان إذا أخذ بهذا الحديث النافع الجامع الشامل وطبقه في حياته، وجد الخير الكثير، وأما ما قاله ابن عبد البر من البحث عن دينك وأن تستفهم وتستعلم لتعبد ربك على بصيرة، فليس من هذا الباب. الله جل جلاله ونذكر مصداقاً لهذا الحديث قول الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ ولَعَلّ القصة التي نزلت هذه الآية من أجلها معلومة، ففي البخاري وفي غيره: أن النبي صلى الله عليه وسلم خطب الصحابة الكرام طالباً منهم أن يسألوه، فمن كان لديه أمر فليسأل، فقام أحد الصحابة وهو عبد الله بن حذافة السهمي ، وقال: { يا رسول الله! من أبي؟ قال أبوك حذافة }، فعاد عبد الله بن حذافة إلى أمه، فعنفته تعنيفاً شديداً، وقالت: ما رأيت أعق منك! إنا كنا في جاهلية، أرأيت لو قارفت ما قارف أهل الجاهلية، أتفضحني على رءوس الملأ؟! وفي بعض الروايات: {أن رجلين قال أحدهم: يا رسول الله! من أبي؟ قال: أبوك سالم مولى شيبة، وقال الآخر: يا رسول الله! من أبي؟ قال: أبوك حذافة ، ثم تألم وغضب غضباً شديداً، حتى قام عمر وقال: رضينا بالله رباً، وبالإسلام ديناً، وبمحمد صلى الله عليه وسلم رسولاً، حتى سكن غضبه صلى الله عليه وسلم وألمه }. فكان ينبغي في مثل هذا الموقف أن يسأل الرسول عن أمر ينفع الناس، فهو لا يأتي إلا بخير صلى الله عليه وسلم، فكان الأولى أن يُفتَح باب من أبواب الخير للمسلمين، ولكنه سئل عن شيء آخر فقيل له: من أبي؟ فصحح له رسول الله صلى الله عليه وسلم نسبه، فما الذي استفاد هو أو غيره من هذا السؤال. فهذا في الحقيقة مما لا يعني الإنسان، وقد قال الرسول عليه السلام: {من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه وكان عمر بن عبدالعزيز رحمه الله يردّد: (من عدّ كلامه من عمله ، قلّ كلامه ، إلا فيما يعنيه).وقال عمرو بن قيس :
190708_10150115369429380_291979734379_6100964_4870844_n
مرّ رجل بلقمان (الحكيم) والناس عنده ،،
فقال له : ألست عبد بني فلان ؟؟
قال : بلى ،،
قال : الذي كنت ترعى (الغنم) عند جبل كذا وكذا ؟؟
قال : بلى ،،
فقال : فما بلغ بك ما أرى ( من المكانة والرفعة)؟؟
قال : صدق الحديث ، وطول سكوت عمّا لا يعنيني ‏......‏ ولا يشترط أن يكون الكلام باللسان فقط إنما أيضا ما خطه البنان فمن عد كلامه وكتابته من عمله قلت إلا فيما يعنيه فقد قال الله سبحانه وتعالى ( لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ ۚ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَٰلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا ) وقال صلى الله عليه وسلم محمد رسول الله (كل كلام ابن آدم عليه ، لا له ، إلا أمر بمعروف ، أو نهي عن منكر ، أو ذكر الله تعالى ) ونجد أن النبي صلى الله عليه وسلم لما سئل عن أكثر ما يدخل الناس الجنة قال: "تقوى الله وحسن الخلق" وسئل عن أكثر ما يدخل الناس النار قال: "الأجوفان – الفم والفرج" لأن الفم هو بداية الشر إذا طرق الإنسان باب الشر. وكما ذكر في حديث معاذ " أو مؤاخذون على ما نقول يا رسول الله" قال : " وهل يكب الناس على وجوههم أو على مناخرهم في النار إلا حصائد ألسنتهم". جاء في الصحيحين من حديث أبي هريرة عن النبي: ( أن العبد ليتكلم بالكلمة من رضوان الله لا يلقى لها بالا يرفعه الله بها درجات وأن العبد ليتكلم بالكلمة من سخط الله لا يلقى لها بالا يهوي بها في نار جهنم ) وعند مسلم ( أن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها يهوي بها فى النار أبعد مما بين المغرب والمشرق ) وعند الترمذي عن النبي من حديث بلال بن الحارث ( أن أحدكم ليتكلم بالكلمة من رضوان الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها رضوانه إلى يوم يلقاه وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يظن أن تبلغ ما بلغت فيكتب الله له بها سخطه إلى يوم يلقاه ) فكان علقمة يقول كم من كلام قد منعنيه حديث بلال بن الحارث ....وفى جامع الترمذي أيضا من حديث أنس قال ( توفى رجل من الصحابة فقال رجل أبشر بالجنة فقال رسول الله أو لا تدري لعله تكلم فيما لا يعنيه أو بخل بما لا ينقصه ) قال حديث حسن وفى لفظ (أن غلاما ما استشهد يوم أحد فوجد على بطنه صخرة مربوطة من الجوع فمسحت أمه التراب عن وجهه وقالت هنيئا لك يا بني الجنة فقال رسول الله وما يدرك لعله كان يتكلم فيما لا يعنيه ويمنع مالا يضروه ) وفي الصحيحين من حديث أبى هريرة يرفعه (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ) .... فلا يسأل الإنسان أو يتكلم عن أمر لا ينفعه أو لا يعنيه، والعمر أقل وأضيق من أن يشتغل أحد فيه بما لا يعنيه، وقد قال بعض السلف كلمة عظيمة تدل على فقههم رضي الله عنهم واهتمامهم بأمر دينهم، قال: "علامة إعراض الله سبحانه وتعالى عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه"، فإذا أردت أن تعرف هل الله معرض عن إنسان أم هو من أوليائه ومن أصفيائه؛ فانظر بماذا يشتغل هذا الإنسان، فإن كان يشتغل بما لا يعنيه، فاعرف أن الله معرض عنه، فماذا نقول في واقعنا الآن؟! كم من إنسان مشغول بما لا يعنيه ويبتعد بها عن طريق الله سبحانه وتعالى .... ولو أنه ذكففروار الله وسبح واستغفر، وعمل لدنياه بما ينفعه وينفع أهله وأبناءه، لكان له في ذلك خير كثير. لكن إذا أحب الله عبداً وفقه للخير.. لحلقات العلم، ولمجالس الذكر، ولقراءة القرآن والسنة، وللعمل بالحق، وللأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فهؤلاء هم الصفوة وهم الخيرة من هذه الأمة، جعلنا الله منهم. إذاً: من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، إذا كان هذا في مقام التأدب مع رسول الله، أو مع العلماء، أو مع طلبة العلم، فما بالكم بهذا التأدب مع مقام الألوهية؟! فإذا قال أحد: كيف يعذب الله على هذا الذنب وهو الذي كتبه وقدره كما هو معروف في باب القدر؟! فيكون بذلك قد وقع في غاية الإساءة وفي غاية الاعتراض على الله سبحانه وتعالى الذي يظهر منه عدم الامتثال وعدم العبودية له سبحانه وتعالى، حتى وإن كان فيما لا يعني، وهذا واقع كثيرٍ من الناس، ---------------------- وكما قال السلف فقد جمعت جوامع الأدب وكمال الأخلاق في هذه الأحاديث الأربعة وسميت بأحاديث الأدب. 
قول النبي صلى الله عليه وسلم ( من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت )..‏
وقوله صلى الله عليه وسلم ( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه )..
وقوله صلى الله عليه وسلم في وصيّته لأحد الصحابة (لا تغضب)..
وقوله صلى الله عليه وسلم ( لا يؤمن أحدكم حتى يحبّ لأخيه ما يحبّ لنفسه)..











الفقير إلى الله سبحانه و تعالي
الفاتح مجذوب الأمين


























ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق